الاستقرار أم الاستقلال .. مواجهة شرسة أمام المرأة !!

مقالات
9.8K
2



بقلم: نورا محمد حنفي

واجهت المرأة الكثير من التحديات والصراعات , لعب المجتمع فيها دور البطولة , طرف الحرب الذي يضع المرأة أمام لحظات فارقة , أن تختار أو يفرض هو عليها سيطرة قراره , تبدأ من اختياراتها البسيطة في ملبسها , أفكارها , مرورًا بــ ” هنفرح بيكي امتى ؟ ” , وحتى في انفصالها عن شريكها تتراكم التساؤلات عليها : ” مفيش حاجة جديدة؟ ” , لتخنقها نظرات المجتمع لها بــ ” الناس هيقولوا عليكي إيه بعد ما اتطلقتي؟ ” , وكأنها أذنبت في حق مجتمع لم تعرف فيه سوى أسرتها وأصدقائها , تظل في حروب واسعة شنتها عليها البشرية من كل حدبٍ وصوب , الجميع يتحدث ولكن قل من ينظر إلي موقفها الصعب بعين الرأفة .

ومن هُنا تخرج المرأة إلى مجتمعها فارضة قانونها الخاص , دون النظر إلى فروض وضعها المجتمع من أجلها , أو لأي نظرة قُيدت بها , فقط تنطلق في رحلتها وإن كلفها الأمر الكثير , ولكن تظل المعركة الكبرى تكمن في استقرارها الاجتماعي أو استقلالها المهني والمادي , يتأزم الصراع ويصل لأشد أوضاعه , فكل ما دون هذا الصراع دون , لا تكترث به , لكنها الآن تقف أمام مفترق طرق , الزواج وتكوين أسرة , أو مواجهة العالم بعلمها وعملها .




اليوم , وفي القرن الــ 21 ..

خرجت المرأة من ” شرنقة ” المجتمع وخطوطه الحمراء , رسمت هي خطوطها الصارمة ووضعت لها القانون الذي تفرضه على الحياة , وقبلها على البشر الذين تفننت ألسنتهم في القيل والقال , في حسم مستقبل الفتاة مذ أن كانت في رحم أمها , هي اليوم حرة تفعل ما يحلو لها وما تجده في صالحها قبل أن يكون في صالح محيطها , تحررت من قيود الاستعمار البشري الذي أحكم قبضته على إبداعها , أدركت معنى أن تكون وبحق , دون أن تُحرك بخيوط كما عرائس ” الماريونت ” , حركة لاإرادية ولا تُجدي لها نفعًا , فكيف ترفع وجهها أمام الحياة مسلوبة الإرادة؟! .

هي اليوم مستقلة , يُحركها دافع النجاح وتدفعها قوة الطموح , تخلت عن أحلامها الوردية في إيجاد فارس الأحلام والحصان الأبيض , استبدلته بــ ” المكتب الفخم والعربية الآخر موديل” , جواز السفر أصبح هو مفهومها الحقيقي عن كلمة ” جواز ” , ” شباك الطيارة ” حُلمها الأول والأخير بدلًا من ” كوشة الفرح ” , أيقنت أن الحياة لا تمنح الفرصة إلا مرة واحدة , وقد لا تمنحها لمن اقتصر دوره في تربية الأطفال وتدليل الزوج , حتى أصبح شعارها في طريقها ” اللي قادرة على التحدي والمواجهة ” , استطاعت أن تخرج به للحياة التي لطالما عزلتها عن الحياة ! .

ولكن ما دوافعها لكي تتخذ قرارها في الانشقاق عن مسار الخلق الطبيعي؟ : ” زواج , استقرار , الموت على صدر زوجها ” .

ما هو دافعها الأول حتى تستقل عن مشاركة الحياة برفقة أحدهم؟ , أن تستقيل من دور الأمومة الذي فُطرت عليه , ما أسبابها في التخلي عن شكل الحياة الدافئ هذا؟ .

تعود أسباب المرأة للعزوف عن الزواج إلى عدة نقاط , منه ما قد يستسيغه عقلك , والآخر يلفظه وكأنه مُر كالحنظل ! , ولكنه واقع اليوم الذي نواجهه بلا مفر .

* يعود أول أسباب هذا القرار هو عدم رغبة المرأة في ” التدخلات والسيطرة ” , خاصةً إن طالت تحكمات الرجل طموحها وعملها , فقد تجد الكثير من رجال اليوم يميل إلى فرض رغباته وتحكماته الصارمة على امرأته ليس حبًا بها أو خوفًا عليها من أنياب البشر والزمن , ولكن ليظهر مدى قوته و” رجولته ” , فيتغنى بها هنا وهناك , وبهذا تصبح المرأة مجرد ” عبد ” يحكمه كلمة واحدة ويحركه تصرف دون قبول أو تفاهم متبادل , وهُنا تظهر فجوة كبرى بينهما لا تحقق معنى ” المودة والرحمة ” , بل تحقيقًا لما نقول في لغتنا الدارجة ” ادبح لها القطة ” , فهي أحد مبادئ الرجل في وضع المرأة داخل ” قُمقُم ” لا تخرج منه إلا على ” تربتها ” ! , كما يحسب البعض أنه الاسلوب الأمثل في التعامل مع زوجته , والحق أن العلاقة تنتهي قبل أن تبدأ إن تأسست على أرض بور , وبهذا تفضل المرأة العمل على حساب استقرارها .

* المرأة بطبعها كائن يُقدس حريته , ولكنها تخسر حريتها من أجل حب صادق لا يقذفها في بحور الندم والحسرة على قرارها هذا , فقط أن يعاملها بالمعروف والحُسنى , لا تذرف دمعها نتيجة خيانة وعدم اكتفاء أو ” عين فارغة ” , ولكن إن حدث , تذبل وتموت , يشق قلبها سكين غائر لن تصل إلى جذور حرجها ! , جرحها الذي يملك عزة نفس تكفيه أن يستتر عن أعين الناس , ولكنها في خضم هذا ” مذبوحة ” لن يشعر بألمها سواها , وخوفها من حدوث ذلك يدفعها إلى المغامرة بوحدتها التي تراها أهون من ” إعدام ” مشاعرها في غمضة عين , وهو ما يجعلها تقف متفرجة دون أن تخوض التجربة التي قد تخسر فيها قلبها , تخسر فيها وجودها كأنثى , فتصبح مثلها كمثل أي مخلوق يسير على أقدام بلا وجود فعلي .

* تحول الحب الذي أصبح عنوان العصر الحالي أصبح أهم محرك للمرأة نحو الاستقلال , فالكثير من قصص العشاق التي نراها في يومنا هذا قد تحولت إلى ” محكمة الأسرة ” وفي انتظار الحكم فيها ! , تجارب فشلت بإمتياز بعد أن كانت منبع المحبة ! , كقصص الخيال بدأت , وبالواقع انتهت , مئات القضايا التي تُنظر يوميًا بين أطراف تلقت قلوبنا الحب منها , أدركنا معنى الإخلاص وأصبحت كلمات الغزل بينهم هي ” كتالوج ” الهيام والشوق , ولكن الزواج هو إختبار حقيقي لثبات هذه المشاعر , أو ” تابوت ” تُدفن فيه الكلمات والوعود , وهذا التحول المفاجئ يطيح بالمرأة إلى أعماق البؤس واليأس , فهل يمكن أن تمنح المرأة نبض قلبها وهي تعلم أن نهاية الرحلة فيها نهاية لها هي الأخرى ؟ , وانطلاقًا من هذا التساؤل يضيع عُمر المرأة في إنتظار إجابة نافية تشجعها على ” التفكير ” في اطلاق سراح قلبها .

* الكثير من النساء اليوم أصبحن في مكانة ” راجل البيت ” , بمثابة ” المحفظة ” للأسرة , أصبح الدخل المادي لبيتها وأسرتها هو عملها الأوحد , فمنهن من تُعيل أسرتها لأسباب موت الأب أو مرضه , فتنصب مهمتها في استقرار بيتها وحمايته من أمواج الفقر القوية التي لا ترحم , وعنه تتغافل عن استقرارها هي وتهمل في حق نفسها , فإن تزوجت لن تجد الأسرة ” مليمًا ” تصرف منه , تُفضل أن تستر أهلها على أن تستر نبض قلبها من فتن الدنيا , ليهرب منها العُمر بين ليلة وضحاها , وتجد أحلامها في مهب الريح , وتدرك أن فرصتها في الزواج والإنجاب تنحصر حتى تنعدم ! , فيضيع قطر الزواج وتظل هي في محطتها برفقة أسرتها وفقط .

* الإنفتاح الذي نواجهه اليوم من سيناريوهات أشبه بأفلام ” ديزني ” هو سبب رئيسي لخروج الفتاة عن دائرة التوقعات الحقيقية والانغماس بعالم مُزين بجمال زائف , فاليوم نحن أقرب إلى مفهوم التجارة في الزواج ! , وهو ما نراه بشكل لحظي على وسائل التواصل الإجتماعي , فساتين الزفاف بالألماس والأفراح التي تصل تكلفتها إلى ملايين الجنيهات لأجل ساعات معدودة ! , يتغنى في الفرح ” فلان الفلاني ” وتنهي الحفل الساهر الراقصة ” الفلانية ” , حتى أن شهر العسل أصبح رحلة حول العالم , كلها أبواب فتحت للفتاة عالم آخر من الرفاهية الزائدة عن الحد , حتى أصبحت متطلباتها لا تقل عن شبكة بمبلغ يفوق مقدرة ” العريس ” , ومنزل بمبلغ وقدره , طلباتها لا تخرج برغبة حقيقية منها بل بما يرغب غيرها ويزرع رغبته فيها , تغفل حقيقتها وحقيقة من يتقدم لخطبتها , وتنتظر تحقيق ما تراه حولها من مشاهد لا تتحقق إلا في الأحلام , وهو ما يجعلها ترفض من يطلبها للزواج فقط لأنه لن يحقق ما يحققه غيره ! , فتُخرج فكرة الزواج من رأسها حتى يأتيها ” علاء الدين ومصباحه ” ! .

* ” طمعان في فلوسي ” فكرة تسحق رغبة الاستقرار , فالكثير من السيدات العاملات تحسب أن من يتقدم للزواج بها ينظر إلى مستواها المادي الذي حققته من خلال وظيفتها فحسب , تعتقد أن السبب الأساسي لرغبته في أن يستكمل الحياة معها هو أنه ينتظر أموالها لكي تشاركه حياته وليس هي , وبهذا تحصر المرأة فكرها حتى تخسر استقرارها الأسري وتنصر عملها .

* مسؤولية الزواج والإنجاب هي المهمة الأصعب على الإطلاق , فقد تجد المرأة العاملة الجمع بين متطلبات بيتها وزوجها وأهدافها المهنية أمر شاق لن تقوى عليه , وعنه يصبح اختيارها بين مسؤولية واحدة فقط من بينهم هو الأمر المحسوم , وفي كثير من الأحيان ترجح كفة العمل على كفة البيت .

والكثير والكثير من أسبابها في التخلي عن استقرارها العاطفي والأسري , والاكتفاء بالعمل , ولكن ..

هل تجد المرأة في عملها ” الحضن ” الذي تنتظره ؟ , هل يصبح الروتين المهني هو الشريك والحبيب والصديق الذي يكفل لها الأمن والسند الحقيقي ؟ .

الكثير من السيدات يعتبرن العمل هو حائط الصد الأساسي لحمايتهن من خطر الأيام , تراه ملاكها الحارس لها أمام تغير النفوس والقلوب , فإن تزوجت وخاب أملها لن تجد إلا عملها يسندها ويُلملم بقاياها , إن غاب دور الأسرة في توفير كافة إحتياجاتها فلن يغب العمل في إتمام دوره على أكمل وجه , تعتبر المرأة عملها ” سيفها ” في حروبها مع الحياة وتقلباتها , ودونه هي الضائعة الشريدة بلا مأوى , ولكن قلبها له الحق في أن يتنفس , وهي المعادلة الصعبة التي تحاول المرأة تحقيقها في ظل سيطرة العقل وحساباته الحازمة , عندها , يقف القلب مطعونًا بسكين المنطق ! , مطالبًا حقه قبل ان يضيع هو الآخر .

تعود سلبيات هذا القرار على نفسية المرأة بالكثير من التقلبات والانحرافات , حيث تصل المرأة إلى أعلى مستويات الوحدة عند رؤيتها لمن يرتبط أو يتزوج حولها , تشعر بأنها السبب في ” خيبتها ” , وأنها أخطأت التقدير هذه المرة , ولكن سرعان ما يختفي الشعور عندما تجد حالات من الطلاق والانفصال تحدث في محيطها الصغير أو في مجتمعها الكبير , فتشعر أن قرارها صائب , بل قد يكون القرار الأمثل لها من بين كل قراراتها , وبين هذا وذلك تضيع الفتاة في تحديد موقفها الأصلي .

فهل قرارها ينم عن رغبة حقيقية أم أنه خوف وهرب ؟ , هل هي سعيدة لكونها تحقق إنجازات عظيمة أم إنجاز قلبها الوحيد يقف كالخنجر في الضلوع ؟ , هل هي راضية تمامًا عن موقفها أم أنها تحتاج إلى إعادة رسم لخارطة طريقها من جديد؟ , وهل تتزوج المرأة عملها وقوت يومها أم تنتظر فارسها المغوار؟ .

قد يكون السبب الحقيقي هو ” سوء الإختيار ” , الذي يدفع فتياتنا إلى الخروج للحياة برداء القوة والصلابة ويتغافلن عن حقوقهن البسيطة في بيت هادئ وذرية صالحة وجيل سوي , الأحلام والطموحات محرك الجميع لا اختلاف في هذا , ولكن لن ينقص الحب والاستقرار منهم شئ , اختيارك الصحيح المناسب هو ما يحدد مستقبلك , أن يستمر وكأنه وليد الأمس , أو ينتهي وكأنه لم يكن , لا مانع من تحقيق الذات والتلذذ بمتعة الأسرة هي الأخرى , فقط تكفي دراسة الأسباب لتحديد النتائج , ومن ثم المضي قدمًا في تنفيذ القرار الأصدق .






تعليقات الفيسبوك