زواج برائحة الموت! هل تدفع الفتاة العربية حياتها ثمناً لزواج مبكر؟

مقالات
372.1K
0



يُعتبر الزواج المبكر آفة كل عصر، فهو سبيل غير متزن لتحقيق هدف إنساني مُقدس، ألا وهو تكوين أسرة آمنة مُطمئنة، حيث يدفع الآباء بأطفالهم إلى عالم المسؤولية التي لم يدركوا معناها بعد، وهُنا أقول أطفال لأنه زواج لمن هم دون سن 18 عام، أي أنه استغلال صريح للطفولة.

وتحتل الفتيات النسبة الأكبر من الزواج المبكر، وهو الأمر الذي سوف نتطرق إليه اليوم في مقالنا عن أسباب ومخاطر الزواج المبكر، والذي يقف عائقاً أمام المرأة العربية في مسيرة العطاء.

تختلف الأسباب بحسب كل بيئة، فقد تلجأ بعض الأسر إلى هذا الوضع نتيجة الفقر وعدم القدرة على تحمل مصاريف الأبناء، من مأكل ومشرب وملبس وحتى حقها في تعليم ومعرفة تنتشلها من ظلمات الجهل، فيصبح الزواج هو الحل الأمثل لهم للتخلص من الأعباء الأسرية المُكدسة على عاتقهم، وبالتالي التخلص من براءة أعمار كالزهور تتفتح في بستان الحياة!

وفي بيئة أخرى يكون العُرف وعادات وتقاليد الأجداد هي المنهج الذي يسير عليه ويُطبقه الأحفاد بحذافيره، كما هو، دون منطق أو فهم أو اهتمام بمستقبل الصغار، ولكن يدفع ثمنه الأبناء ثمناً باهظاً من سعادتهم وإتزانهم، حتى أن الخوف من العنوسة يلعب درواً كبيراً في زواج الفتيات دون سن البلوغ، فلا يجدن أمامهن سوى الاحتماء بظل رجل وإن كان عن عدم قبول أو توافق على المستوى الفكري والنفسي، وغيرها الكثير والكثير من الأسباب المؤدية لطريق الهلاك الأنثوي، لتجدها بفستان الزفاف بعد أن كانت تلهو بعروسها دون اكتراث بوحشية البشر.

وكما اختلفت الأسباب من بيئة لأخرى ومن مجتمع لآخر، أيضاً تختلف معدلات الزواج المبكر من مكان لمكان، وفي قائمة الدول الأعلى من حيث معدلات زواج الأطفال دون السن القانوني، تأتي النيجر على القمة، تشاد، مالي، بنغلاديش وغينيا..

ومن آثار الزواج المبكر أن تخرج زيجة غير سوية، فـ الزوج قد يكون في عُمر الأب، بل وجد الجد! وهُنا تظهر الفجوة الكبرى بين الزوج صاحب مطالب تتناقض مع توجهات الزوجة التي لم تخرج من زمنها البدائي، حتى أنه قد يُمارس عليها مظاهر السادية والعنف، وهُنا يكون العنف لفظي وجسدي، محفوراً بين تضاريس ملامحها قابعاً في أعماق روحها، وتكون مبررات الزوج حينها صغر سنها الذي سمح له أن يُعيد تربيتها من جديد! الخروج من عش الزوجية يكون بحساب عسير، فلا مجال لزيارة أسرتها من حين لآخر، وما عليها سوى السمع والطاعة دون أن تدرك السبب، مسلوبة الإرادة مُغمضة العين، تتحمل الاهانة المتكررة ليقينها رفض أسرتها الانفصال، فترتمي في أحضان الصمت بخضوع تام، ما قد يؤدي إلى عزلتها والوقوع في فخ الاكتئاب، وفي حالات كثيرة الفرار من أنياب الزوج والتحرر من تحكماته الأبدية، قد تضطر لعبور القارات بدلاً من أن تقع فريسة السيطرة والقسوة.




والمؤسف ان ينتج من الزيجة أطفال بؤساء كحال الأم التي لم تتعد سنوات المراهقة بعد، ينتظرون التنشئة السليمة في بيت غير مُكتمل الأركان! من أطراف جاهلة بفنون التربية! فينتج جيل جديد لا وعي له بالحياة من الأساس!

وأما عن المخاطر الصحية الناجمة عن زواج القصر فـ حدث ولا حرج، فـ التبعات الصحية التي تلاحق الفتيات بسبب ظروف الحمل الشاقة التي يصعب عليهن تحملها في سن صغير كهذا يودي بهن إلى نتائج كارثية قد تصل في الكثير من الحالات إلى الوفاة، نتيجة الضرر الواقع عليهن من الولادة، حيث يُلاحقها ألم مُبرح لا تقوى عليه، فـ أقسى ما يمكن أن تمر به فتاة في مثل سنها أن تواجه مظاهر البلوغ التي تفتك بها، فـ ماذا عنها إن أصبحت مسؤولة عن روح أخرى تسكنها 9 أشهر؟!وهي فتاة عير مُجهزة صحياً لاستقبال جنينها، الذي يولد بتشوهات خلقية بطيبعة الحال، بالطبع هي جريمة علنية أن يتم تعريضها لهذه الحالة قبل الأوان، التي قد تدفع فيها حياتها بين ليلة وضحاها، تنزف مستقبلها حتى الموت!

وكما ذكرت في البداية أن من أحد أهم الأسباب للزواج المبكر قد يكون التهرب من تكاليف التعليم، فهذا الأمر يُعد سبب جوهري لتدهور المجتمع من كل الجوانب، ومن ثم تدهور مظاهر التنمية فيه، نظراً لعدم وجود العنصر النسائي بشكل فعال في المنظومة التعليمية أو العملية، وبالتالي فإن الزواج المبكر خطر يُهدد المجتمع الصغير المُتمثل في أسرة الفتاة، والمجتمع الكبير الذي ينتظرها خارج منزلها.

وفي وجهة نظري، نحتاج وعي مجتمعي كبير تجاه هذه القضية السامة للطفولة، نحتاج منظومة إعلامية متكاملة واعية تنشر مخاطر وآثار الزواج المبكر على الفتاة الضحية، وعلى كافة افراد أسرتها، ووضع قانون يُجرم هذا الفعل المُغتصب للبراءة، ويكون التعامل حاسم مع من تسول له نفسه باستدراج فتاة تحت مُسمى الزواج، بدايةً من الشهود على الزيجة، وحتى الأسرة التي تُهادي طفلتها لمن لا يعي معنى الرجولة والإنسانية، أن ننشر في مختلف الوسائل الإعلامية أفلام وثائقية توضح كافة الجوانب السلبية لهذه الظاهرة المُتفشية كالوباء! أن نُسلط الضوء أكثر ونعالج الأسباب الإجتماعية والثقافية من الجذور، بمخططات جدية تحارب الفقر والتدهور الفكري.

أجدها قضية شائكة تحتاج لتوسع أكبر، وأن نخرج من المعركة بأقل الخسائر المُمكنة، فتياتنا لهن الحق في حياة كريمة وأيام مشرقة، أن نحفظ حقها في زواج ناجح وفي توقيته الصحيح، وأن يكون فستان الزفاف حُلمها الوردي، لا كابوسها المُفزع!

 






تعليقات الفيسبوك