حواء .. على حافة النهاية!

مقالات
192.1K
1




– صباح.. لا نهار له!

 

مثله كمثل أيام كثيرة، يتخلل نور الصباح نافذة غرفتي ليُخرجني من قبضة الظلام، القليل من نسمات يونيو الحارة تعبث بوجهي الغارق في وسادته، وعلى نغمات حنجرة أمي بدلًا من المنبة المزعج: “الظهر بيأذن.. اصحي”، أستيقظ من نومي الذي لم يخل من مُنغصات الأرق واضطرابات اللاوعي، كوابيس خيالية تحوم حولي وتأبى أن تمنحني لحظات هادئة لعبور يوم جديد، والمضحك أنني أستيقظ منها كي أصطدم بكابوس ملموس على أرض الواقع! ياللعبث!

 

كابوس لم يكن الأول من نوعه، فقد راودني كثيرًا وأنا على قيد الإدراك، وبعد دقائق معدودة من استعادة إتزاني ولملمة شتات أمري، وقبل لحظات من تناول وجبة الفطور البسيطة، تتناولني الأخبار المؤلمة المُره كفنجان قهوة سادة أتشربه على روح يومي الذي خُيل لي أنه مُشرق بصباح يتغنى على ألحان الشحرورة، ولكن الحزن خيم على المشهد حتى أن الشمس خجلت من إشراقها في يوم الكآبة والضيق العالمي.

 

يومها استيقظت على خبر سلب من قلبي ما تبقى فيه من أمنه وسلامه، بدد فيه الاستقرار، أشعل فتيل الغضب وأمطر على رأسي التساؤلات: ماذا بعد؟! ألم يحن الوقت لننتهي من سيناريوهات القتل الوحشي المُمارس ضد المرأة؟ هل أصبحت الأنثى مصدر إزعاج للكون للحد الذي يدفع البشرية للتخلص منها بهذا الشكل المُزري؟! أين أفر بجسدي بعيدًا عن شراسة عالمي؟! وأخيرًا.. هل سأجد عالمًا يكفي لاتساع قلبي وأمومة نبضه؟




 

– المرأة.. عطاء يلفظ أنفاسه الأخيرة!

 

تساؤلات مرت على عقلي وأنا أشاهد جريمة تضج بها قنوات التلفاز، مراسلين في قلب الحدث لرواية التفاصيل وسؤال الشهود وسط حيرة ونفور. المشهد مهيب وبطله الموت، ضحية جديدة تسقط على الأرض بدماء تنتفض بالظلم، تطالب بحقها حية وبعد أن أصبحت جثة هامدة لا صوت لها حتى قيام الساعة، ولكن صوت الحق لا يموت. ضحية تسقط تلو الأخرى، مشهد يتلون بالوحشية التي تملكت قلب الإنسان ولم تفسح مجالًا لذرة رحمة واحدة تحافظ على إنسانيته، وحتى قلبي ينتفض هو الأخر، يتزلزل بين الضلوع، وعقلي يقف أمام تساؤلاته مقيدًا لا حول له ولا قوة! اليوم فقط تأكدت أن المرأة في عالمنا تعيش كي تُقهر، وتموت كي تُحرر من أنياب البشر.

 

عُدت بنظري لأشاهد مقاطع رديئة الجودة التقطتها كاميرات الشوارع، وعلى أرصفة الطرقات، وفي خطوات واثقة لم تحسب أنها الأخيرة في مشوار حياتها، سقطت إحداهن ذبيحة مستقبلها! مستقبل أقرت بأنه لن يشرق إلا بالعلم والعمل، ولا مجال للحب والغرام فيه، لم تجرم أو تطلب حق غير مشروع، فقط أرادت أن تسير بدربها على النهج الملائم لها، فكان الثمن عُمرها وعُمر ضحكة اسرتها!

 

تهديدات ومطاردات ورسائل مفزعة، والاختيار بين النجاة بالموافقة على زيجة لم تكن في تطلعاتها، أو الموت. وكأنهم يطالبوننا بحقنا في العيش الكريم! وكأنهم يستكثرون على حواء القليل من السلام كي تستكمل مسيرة عطاءها العظيم! أي ذنب هذا! اليوم وبعد أن توحدت جهود البشر في محاربة جيش عدو الوطن، تفرقت أمام أقسى جيوش الحياة، عدو الإنسان الأوحد: الشر الكامن فيه، المنتظر المتأهب لأي فرصة ليتسلل ويفتك بنا في غمضة عين، وهو ما تحقق على يد أصحاب الخسة والاجرام، من أسلم رأسه للشيطان على طبق من ذهب، فأطاح به إلى حبل المشنقة، ومعه أضاع حقه هو الأخر في إنسانيته.

 

قهر كبير وجدته في عين أسرة الفقيدة، طالبة لم تخرج من رحم الحياة بعد، زهرة شابة تتفتح في بستان الربيع، كيف تبدل الحال من ابتسامة صافية إلى صمت قاتل؟!

 

أغلقت التلفاز بوجه يسوده الألم غير المُجدي، ومعه أغلقت باب الحزن كي أستعيد طاقتي مجددًا، عدت لعملي ويومي البالي كالمعتاد، وانتهى زمنه ولكني لم أجد إجابة بعد!

– بأي ذنب؟!

في صباح اليوم التالي، سقطت ضحية جديدة، بتفاصيل مشابهه، بملامح لا تختلف كثيرًا عن ضحية الأمس، وبقهر يقسم الظهر ويشق الصدر! ولكن السلاح المستخدم هذه المرة لم يكن سكينًا؛ بل مسدس عمران فرغ القاتل طلقاته في رأس الضحية دون رحمة بأمرها، وكأنها دابة مريضة تنتظر رصاصة الخلاص، وكأنها جماد لا قيمة له ولوجوده في الكون، حتى أن قاتلها لم ينتظر القصاص منه، ولإدراكه أن الموت هو المصير المحتم، اختار أن يكون صاحب الكلمة في كتابة صفحته الأخيرة، لينهي حياته بطلقة قنصت روحه في الحال، ليذهب مع الريح تاركًا خلفه أوجاع لن تهدأ بقلب أسرة مسكينة لا تزال تنتظر صغيرتها تعود لمنزلها حتى الآن. راحت هي.. كما راحت قبلها الكثيرات في محاولة للرد على السؤال الأول والأخير: بأي ذنب قُتلت؟!

 

لم تتوقف جرائم العنف ضد المرأة إلى هذا الحد فحسب؛ فخلف الأبواب قصص لا نهاية لها، ولكل قصة تفاصيل أبشع من الأخرى. فعن تعنيف السيدات من أزواجهن فحدث ولا حرج، خبايا وحكايات ومآسي تقشعر لها الأبدان، سحل وضرب و”تكسير عضم”..

 

فهل للمرأة ضريبة تدفعها كونها امرأة؟ هل تستحق الفتاة أن ترى مستقبلها يُغتصب أمامها ويُهتك عرضه وهي لا تملك إلا الصراخ كي ينقذها مخلوق وإن كان من الفضاء؟ هل وضعنا البشر موضع ضعف وتهاون فلم يخرج لصوتنا صدى يرن العالم ويثبت وجوده؟

 

عقلي لم يجد إجابة.. ولكن أعذروني، فقد وجدت خبرًا عاجلًا الآن لجريمة جديدة أود أن ألقي نظرة عليها..

 

سيدة.. ضحية.. والقاتل لاذ بالفرار بدم بارد!






هل ترغبين في تلقي الأخبار الجديدة التي تصدرها المجلة؟
الاشتراك في نشرة أخبار المجلة



تطبيق مجلة المرأة العربية

يمكنك اختيار نسخة التطبيق المناسبة لجهازك.

تطبيق مجلة المرأة العربية

تطبيق مجلة المرأة العربية

تعليقات الفيسبوك