رسالة إلى إبنة العشرين ..

مقالات
7.2K
1



بقلم : نورا محمد حنفي

قد يُخيل لكِ للحظة أنك قد تحررتي بكل ما كان يُقيدك طوال السنوات الفائتة التي تُعد على أصابعك الصغيرة التي لازالت تكتشف الحياة وتدق على أبوابها وترن أجراسها ثم تُهرول قبل أن تفتح لها الحياة أبوابها .. قد يُخيل أنكِ قد تخلصتي من عقده السن وإستعمار الرقم , ولكنكِ لن تستطيعي أن تخرجي من ذلك السجن الرقمي حتى وإن أتممتي المئوية ! .. تصرخي في وجه العالم برمته قائله : هيا أتركوني لقد تخطيت حاجز العشرين الآن , ما لكم علي بسلطان .. والحقيقة أنك لن تتحري وتتخطى هذا الحاجز حتى تتخطي مرحلة التفكير هذه .. فهي السجن الأوحد لكِ ولن تتخلصي منه بسهوله ..

غريب أمر هذا الرقم .. 20 .. نسمع هذا الرقم بين الحين والأخر في مناسبات مختلفة , ونجهل بأنه صاحب تأثير سحري على نفس الفتاة البسيطة التي تقدم عليه في لحظة من لحظات عمرها , تسمعه , وترفض ان تمنحه جزءاً بسيطاً من ذلك التقدير الذي تمنحه تلك الفتاه المدللة لمجرد .. رقم ! , ” نعم لقد حصلت على الدرجة النهائية يا أبي , 20 من 20 .. نعم لقد خسرت 20 كيلو جرام أقل من العام ! .. نعم لقد تناولت 20 قطعة حلوى اليوم ولكن يكفي هذا فقد اكتسبت وزني الذي قد فقدته من كلمات قليلة !! ” , ألم تسمعه الآن ؟ , يتردد على مسامعنا بشكل مستمر , وبشكل يُقلل من قيمته تاره ويُزيد ويُعظم من نبل هدفه تاره أخرى ! , والغريب أنه مهما تبدلت الأحوال وإختلفت الحياة سيظل مجرد .. رقم ! , ولكنه ليس بمجرد رقم لفتاتنا اليوم ..




تنتظره الفتاه أشد الإنتظار , لا تجد لحياتها معنى إلا بعد أن تجده يقترب منها أكثر فأكثر , تحسب كم سنه عاشتها وكم سنه مُتبقيه حتى تعيش لترى ذلك اليوم المميز الذي تدق فيه عقارب الساعة وتُعلن حلول منتصف الليل ومعه تُعلن عن مولدها الحقيقي , مولد الفتاه ذات الــ 20 فكرة وكيان وحياة ! .. تضطرب فرحاً بمجرد سماع هذا الرقم حتى وإن كان رقم صفحة مجلة الأزياء والموضة الخاصة بها , بل تجدها أحياناً تُسابق الصفحات في سرعة قاتلة دون أن تتشرب بما تحتويه كل صفحة وكل هذا وفقط لترى هذا الرقم السحري يتلألئ أمام عيناها !! , هل وجدت الأمر غريب الآن ؟ ..

نعم , هو أغرب من أن يستوعبه العقل البشري , إنها مشاعر تولد فيها منذ أن تدب روحها على الأرض , وتأخذ هذه المشاعر في الإزدياد والتضخم ومن ثم تفيض عليها وتتشكل على ملامحها التي مازالت تتشكل هي الأخرى , ومع كل لحظة تمر , ينفعل داخلها إحساسها بإقتراب الملاذ والنجاة , الملاذ من معتقدات تمنعها من الحياة والتمتع بكل تفاصيلها التافهة كانت أو العظيمة , النجاة في التحرر من سجن معنوي قد فُرض عليها دون أن تفهم سببه وهدف الفرض هذا ! , تحلم بتلك اللحظة التي ترتدي فيها فستانها ناصع البياض ” لا لا ليس فستان الزفاف , حلم كل بنت , بل هو فستان التحرر وفك القيود , إشارة الإنتصار والخلاص , حُلم الطفولة ودلالة الحياة الحقيقية لها ” ..

وكأن العشرين هو ” الشمعة ” ! .. التي أضاءت لها محياها , ولكن في نهاية الأمر .. ما مصير وهج الشمعة وإن أضاءت لدهور ؟! ..

وكأنها أقسمت ألا تدوق طعم السعادة وألا تعرف للحياة مذاق إلا بعد أن تخطو خطوة الــ 20 , وكأنها وجدت في ذلك الرقم الأبدية , وأنها لن تتحرك خطوة بعيداً عنه , فكيف هذا وهي تحارب من أجل الحصول عليه ؟ , ولكنها قد أخطأت في حساباتها هذه المرة , وهذه المرة هي المرة الوحيدة التي لا تحتمل أي خطأ ! ..

بعد أن تحصل على هذه الخطوة .. تكتشف أنها سعادة وقتية , ليس إلا , كأنها أرادت شراء شيئاً ما وحاولت جاهدة الحصول عليه رغم قدرتها المادية المُنعدمة وبعد أن حصلت عليه وجدت سعادتها في إقتنائه تقل مع مرور الأيام على روحها , ولكن كيف هذا وهو هدفها لعمر بأكمله ؟ , كيف تحارب من أجل الشئ وبمجرد أن تجده بين يديك تبدأ بالنظر له ثم تلتفت بعيداً عنه ؟! .. أين الشغف ؟ , أين موضعه في الأفضليه عندك يا فتاتنا التي لم تجد بر النجاة بعد ؟ , الغريب أنها بعد أن كانت تراه عالم وحياة جديدة لها , تبدل حاله إلى تلك النظرة التي تنظرها أنت لهذا الرقم .. مجرد رقم ! ..

وبعدها , تقف منتظره الخط الفاصل الجديد الذي يفصلها عن الــ 20 و الــ 30 , وتنتظر تلك الخطوة الجديدة التي تترقبها طيلة العشر سنوات التي قضتها تحت حُلم تحقيق الإنجازات والحرية المطلقة و و و .. , ولم تحسب أنها مجرد مرحلة , لها متطلباتها كأي مرحلة عمرية , ولها نهاية كأي مرحلة أيضاً , كان ظنها أنها لن تنتهي ولن تجد فيها سوى إستشعار الحياة ونسمات الحرية , وكانت التوقعات عكس الحقائق !! .. وبعد أن تُتمم الــ 30 , تجد نفس السرد يُعاد من جديد ! , وتقف منتظرة الــ 40 والــ 50 و ..

مجرد أن تشعر بأن المرحلة القادمة لها ستكون مختلفة تماماً عما تحياه , ذلك يجعلها تقع فريسة سهلة لأحلام لا تمت للواقع ولا تلمس الحقائق ..

هي الفكرة التي لابد من سحقها من عقولنا .. اجعل عمرك مجرد رقم , لا يقذف فيك السعادة بسن معين ولا رقم سيتغير مهما طال , لا تُقيد أحلامك على بلوغ عُمر معين , لا تجعل أملك في إيجاد معنى الحياة ينحصر في مجرد رقم .. هي الحياة وإن إنقضت وأنت تنتظرها فلن تعود إليك من جديد وتقول لك : معذرة .. هيا لنُعيد المحاولة من جديد , بل تجدها ماضية في طريقها دون أن تلتفت إليك أو تُعيرك أي إهتمام ..

عش كل لحظة كما لو أنها أخر لحظة , ولا تنتظر رقم , فقد لا تصل إليه أو تستشعر وصولك له بسبب إنتظارك هذا , ستجده يمر عليك وأنت لا تشعر !! ..





هل ترغبين في تلقي الأخبار الجديدة التي تصدرها المجلة؟
الاشتراك في نشرة أخبار المجلة



تطبيق مجلة المرأة العربية

يمكنك اختيار نسخة التطبيق المناسبة لجهازك.

تطبيق مجلة المرأة العربية

تطبيق مجلة المرأة العربية

تعليقات الفيسبوك