المثقفون السوريون لا يمكنهم التحلي بعصمة أخلاقية تجاه الثورة

منوعات
28.4K
0




المثقفون السوريون لا يمكنهم التحلي بعصمة أخلاقية تجاه الثورة

بعد عام ونصف من الحراك الشعبي بسوريا، يبدو من الضروري محاولة تقديم قراءة مختلفة بعيدا عن اراء
المحللين والساسة، وخاصة بعد التبدل الكبير الذي لحق بـ”الثورة” والاستقطاب الكبير الذي يمارسه النظام
والمعارضة على حد السواء.

ويرى بعض المراقبين أن الثورة التي بدأت بشكل عفوي ورفعت شعارات “الحرية والكرامة”، تخلت لاحقا عن
طابعها السلمي واتخذت صبغة طائفية بسبب استمرار النظام بخياره الأمني على أمل استعادة السيطرة على



البلاد.

ويبدو أن الوضع الأخير شكل صدمة كبيرة لعدد من المثقفين المعارضين، ودفع بعضهم إلى التخلي عن دعم
الحراك الشعبي وربما الدفاع عن النظام خوفا من السطوة السلفية وتحول البلاد إلى مرتع لـ”الجهاديين”
والمتطرفين المدعومين من بعض الدول الإقليمية

ويقول الباحث نبيل فياض “كنّا رومانسيين للغاية، كنا بانتظار حرية غابت عنّا خمسين عاما (…) ظهرت
العرعورية (نسبة إلى الداعية عدنان العرعور) وبدأ القتل على الهوية وشاعت اللغة المتزمتة الوقحة،
التي لا تذكرنا إلا بالمرحوم بن لادن وتابعه الظواهري”.

ويتساءل في مقال بعنوان “للأسف.. ليست ثورتي”: “ما الذي تريده المحطات السلفية التي تبث سمومها ليل
نهار من أجل تفكيك سوريا؟ ما الذي يريده الليبيون والتونسيون والأفغان والصوماليون وغيرهم من
سوريا؟”.

لكن قراءة فياض قد لا تجد قبولا لدى عدد كبير من المثقفين السوريين، فالإعلامي توفيق الحلاق يؤكد أنه خلال
تعامله مع آلاف السوريين على مدى ثلاثة عقود لمس لديهم رغبة عارمة في الانفتاح على ثقافة الآخر
والاتكاء على الموروث التاريخي والديني بعيدا عن التعصب.

ويضيف “السوريون لديهم شغف في إظهار أقصى ما لديهم من الود والاحترام نحو جيرانهم من الطوائف
والقوميات الأخرى (…) بل إنهم حتى في حال الثأر من قاتل أخ لهم ينصاعون لحكمة الكبار وقرارهم، ثم إنهم
يتقبلون عادة من هو مختلف عن معتقدهم”.




ويبدي الحلاق تفاؤلا كبيرا بمستقبل سوريا بعد رحيل نظام الأسد، مشيرا إلى أن قلة من السوريين قد
يتصرفون بطريقة همجية “لكن الأكثرية الساحقة من الشعب السوري ستكون واعية وحكيمة وستلجمهم بسرعة
وتحد من حركتهم وتوقف أعمالهم”.لكن إذا سلمنا جدلا برواية النظام، التي أكدتها بعض الوقائع، حول
وجود آلاف الجهاديين المدعومين من الخارج في سوريا، هل يبرر ذلك استخدام العنف من كلا الطرفين (النظام
والمعارضة)؟

يجيب الناقد حسان عباس بأن العنف غير مبرر إطلاقا (أخلاقيا ونظريا)، “لكنه في الحقيقة نتيجة تطور
طبيعي للمجريات، الحل يكمن في إيقاف العنف، والتحول إلى بناء الدولة الجديدة”.

ويستدرك “لكن من اعتاد على امتلاك الحق بقوة السلاح لن يكون من السهل إقناعه بالتحول إلى قوة
العقل والمنطق. أخشى ألا ينتبه ممارسو العنف إلى جريمتهم إلا بعد فوات الأوان. لكن للأسف هذا ما يحدث
دائما”.

ويبدو أن الاستقطاب الطائفي المستمر في البلاد من قبل طرفي الصراع اضطر عددا من المثقفين السوريين إلى
التخلي عن مبادئهم وتبني خطابا طائفيا وبالتالي اللجوء لدعم أحد الطرفين على هذا الأساس.

ويقول عباس “المثقفون قبل كل شيء بشر ولا يطلب منهم التحلي بعصمة أخلاقية. منهم مثقفون مدنيون
وهم النقديون وهم من يتعالون على الانتماءات تحت الوطنية، ومنهم من يدعي ذلك لكنهم ينهارون عند
الصدمات ويسقطون في رحم القبيلة والعشيرة والعائلة تجنبا للمجابهة. ليس الأولين قديسون وليس الآخرين
أبالسة، هذه حال الدنيا”.

لكن عباس يستغرب الحديث عن أسلمة البلاد، مشيرا إلى أن “المجتمع السوري علماني في أسلوب عيشه وتغييره
ليس أمرا هينا. طبعا لا يعني أنه مستحيل، يمكن ذلك على أسلوب الثورة الثقافية الصينية فقط أي
بالحديد والنار فقط”.

ويرى البعض أن العنف المستخدم من قبل المعارضة السورية هو رد فعل طبيعي على بطش النظام المستمر
منذ أشهر، لكن هذا العنف سيذهب بالثورة نحو أهداف أخرى مضللة تفضي إلى نتائج سلبية أكثرها سوءا
العنف الذي تولد نتيجة الغضب والحقد والثأر وردات الفعل المباشرة التي تشبه فورات الغضب، كما
يؤكد الشاعر والصحفي حسين درويش.

ويضيف “كل ذلك يقود الثورات نحو كهف مظلم من الأهداف، وبدلا من العمل على التحولات الاجتماعية،
يصبح الهم الأكبر تصحيح مسار الثورة. وعليه لا أستغرب أن يقوم أي فرد من المنتسبين لجيش النظام
بأعمال القتل والتدمير والممارسات اللاإنسانية لأنه ينفذ أوامر قذرة في حرب لا أخلاقية، تعاقب الشعب
بعمومه، ذلك الشعب الذي انتقل من خانة المتردد إلى خانة الرافض للعنف ومن ثم الحامل للسلاح لأنه لم
يعد يشعر بالأمان”.

ويستغرب حسين مطالبة الذين ينتقمون من الدولة عبر حرق الممتلكات العامة بالوعي تجاه حقوقهم لأن تلك
الممتلكات ستعود إليهم، “في حين أن النظام عمل طيلة نصف قرن على تغييب وعيهم السياسي والوطني،
وجعلهم كالخراف تصفق لمنجزاتهم، نظام أرسل مثقفيهم إلى السجن وطرد مفكريهم ونكل بشرفائهم ولم يبق
سوى مجموعة من الرعيان حملة السياط التي يلهبون بها جنبات البشر”.

وإذا كان بعض الباحثين السوريين كجودت سعيد يميلون إلى وصف الحراك الشعبي في سوريا والعالم العربي
بأنه “وعي إسلامي جديد ورد حضاري من الشرق على الغرب”، فإن البعض الآخر يخشى من تحول الربيع
السوري بشكل خاص إلى شتاء دموي مزمن.

ويقول الروائي خليل صويلح “لطالما كنّا ننتظر سوريا أخرى، أقل بوليسية، فقد كان المثقف السوري
يكتب أحجيات وكلمات متقاطعة خشية غضب الرقيب. لكن المشهد بات ضبابياً اليوم ويصعب معرفة أحوال
الطقس. لم يعد الربيع ربيعاً، أمام هول الدم المراق. كنّا أسرى منامات غامضة، لكننا اليوم نعيش
كابوسا طويلا، ولا نعلم إلى أين سينتهي بنا هذا النفق”.

ويتساءل صويلح “هل استعرنا نص الآخر إلى أرض خلاء؟ ربما، ذلك أن الصحراء السورية لم تنبت زرعا منذ
عقود، فتهنا في بريّة ذئاب ووحوش وفقدنا البوصلة. لا أحد يعرف وجهه في المرآة، كأن الشخصية السورية
المغيّبة طويلا، أفرزت دمامل كانت تعتمل في صمت”.

ويؤكد استياءه من مستقبل بلاده الغامض، ويضيف “لا نريد سوريا الرعب القديم، ولا نفتح أذرعنا
لمستقبل مفخخ. وسط هذا الجحيم المزدوج يغيب صوت العقل لمصلحة الدهماء ورائحة البارود. أرغب بكتابة
نص آخر وفي المقابل ليس لدي قابلية الخضوع لدورة تدريبية على الدوشكا. أريد أن أكون في موقع
القتيل وليس القاتل”.

ويذهب بعض الباحثين بعيدا في قراءة الواقع المثقل بالعنف والدماء، حيث يرى هؤلاء أن البنية
السورية خصوصا والعربية والإسلامية عموما، مهيأة تاريخيا لإنتاج العنف وممارسته في هذا النوع من
الصراعات السياسية.

ويؤكد الباحث شادي جابر الفكرة السابقة، مشيرا إلى أن ما يحصل في سوريا هو “نتاج طبيعي للخيار
الأمني- العسكري للسلطة في تعاطيها مع الحركة الاحتجاجية، ونتاج طبيعي لعقود من الاستبداد والقهر
والقمع والفساد وغياب العدالة الاجتماعية ومعاناة السوريين”.

ويرى أن الحراك الشعبي في سوريا بدأ سلميا بشكل عام، و”أي عنف ظهر في الشهور الأولى كان استثناء
وحالات فردية محدودة، ولكن مع مرور الوقت بدأت المظاهر السلبية في الحراك تتزايد تدريجيا نتيجة قمع
السلطة للتظاهرات، وازدياد التدخل الخارجي غير المباشر، حتى وصلنا إلى مرحلة صار فيها العنف هو
القاعدة والسلمية هي الاستثناء بكل أسف”.

ويدين الخطاب البراغماتي الانتهازي لدى بعض المثقفين السوريين، مشيرا إلى وجود “هواجس ذات طابع طائفي
وخوف أو فوبيا من تيارات الإسلام السياسي لدى البعض الآخر، وكلا الحالتين لا تليقان بالمثقف برأيي”.

ويؤكد جابر وجود “حرب دولية وإقليمية بالوكالة” في سوريا، لكنه يستبعد استيلاء الإسلاميين على
السلطة، فـ”سوريا لا يمكن أن يحكمها تيار إسلامي. يمكن أن يشارك في الحكم وفقا للأصول والمعايير
الديمقراطية، ولكن يستحيل على أي تيار إسلام سياسي أن يستفرد بالحكم في سوريا، خاصة إذا كان يريد
بلدا آمنا مستقرا خاليا من الاضطرابات والصراعات والحروب الداخلية”.






هل ترغبين في تلقي الأخبار الجديدة التي تصدرها المجلة؟
الاشتراك في نشرة أخبار المجلة



تطبيق مجلة المرأة العربية

يمكنك اختيار نسخة التطبيق المناسبة لجهازك.

تطبيق مجلة المرأة العربية

تطبيق مجلة المرأة العربية

تعليقات الفيسبوك