
ما مِن أحدٍ من كتّابنا العرب الكبارِ إلاّ وتمنّى الفوزَ بجائزة نوبل، وما مِن أحدٍ منهم إلاّ وجَيَّشَ جميعَ
مكتسباته الشخصية والوطنية والقومية والعاطفيّة ليجد سبيلاً توصله إلى تلك الجائزة، فتراه حينًا يُطعم
بمدائحه كبارَ مثقّفي الغرب لينال منهم قولَ خيرٍ فيه وفي سيرته الفكرية وذلك متى يسّر الله أن يُذُكر
أمامَهم حتى من باب الصدفة، وتراه حينا آخر يتقرّب إلى مراكز البحوث الدولية ويشارك في ندواتها
ببحوث هو جاهز فيها لأن يسبَّ سلالتَه الأربعين، بل وأن ينسلخ عن جلدته اليَعْرُبيّة الموغلة في أكثر من
أربعة عشر قرنا من تاريخ البشرية حتى يُرضيَ أصحابَ القرار مِمَّن لهم سلطة على أصحاب الأكاديمية
السويسرية.
هذا، وغيره مما لم نذكر، هو ما يُقالُ عادة في منابرنا الثقافية العربية بداية كلّ موسم من مواسم
حصاد جوائز نوبل وحتى في نهايته.
ومتى رحمَ الله واحدًا من كتابنا، وأُسندت إليه “نوبل” في أحد فروعها، هبّ جيشٌ من المثقّفين ينبشون في
سجلاّت تاريخه الشخصيّ والفكريّ باحثين فيها عن كلّ سَوْءةٍ من سوءاته الإبداعية أو العلائقيّة أو حتى تلك
التي سوّاه الله عليها بالفطرة، ليكيلوا له الشتائم والاتهامات، بحلالها وحرامها، وينغّصوا عليه فرحته
بالجائزة ويدفعونه إلى الموت مكمودًا مكدودًا كما لو أنه ارتكب جريمة من جرائم الإرهاب.
لمّا فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988، جادت أخيلةُ بعض كُتّابنا وإعلاميينا بوابل من
الاتهامات وصفوا فيها نجيب محفوظ بكونه “خائنا وطنيا” من جهة أنه مغرم بديمقراطية إسرائيل، ويسعى
إلى مغازلتها، ولمّحوا فيها إلى أنّ فوزه بالجائزة ما كان ليتمّ لولا دعم هذه الأخيرة له باعتباره حليفًا
لمشروعها الاستحواذيّ.
بل إنّ من الكتّاب مَن اعتبر فوز محفوظ عائِدًا إلى أنّ أدبَه يخدِم مصالحَ الثقافة الغربية في معاداتها
الشائنة لأخلاق ثقافتنا العربية وذلك عبر ما يبثّ فيها من حكايات تُشجّع على الرذيلة وتخدم مصالح
الراقصات، وهو اتهام شجّع أحدَ المواطنين مِمّن لم يقرؤوا حرفًا واحدا لهذا الأديب على طعنه طعنة كادت
تقتله في حينها. وعلى وقع هذه الاتهامات مات هذا المبدع وبه حزن عميق.
ولمّا أُعْلِن في الأعوام الماضية ترشيحُ أدونيس لجائزة نوبل، ثار من حوله غُبارُ الأقاويل التي روّج فيها
أصحابُها أنّ نصوصَ هذا الشاعر ومواقفَه الفكريّةَ تتقاطع مع الثوابت الدينية الإسلامية وتنحو صوب
الكفر والإلحاد والردة والمروق عن المِلّة والتغريب، بل ثمة من هؤلاء مَن ادّعى أنّ لأدونيس علاقاتٍ مائزةً
مع إسرائيل، وأنّه يشجّع الأقليات غير العربية على الخروج عن وحدة الصفّ العربيّ، خاصة بعد أن زار
إقليم كردستان العراق عام 2009 بدعوة من مركز كلاويز الثقافي في مدينة السليمانية وهاجم من هناك
الحضارة العربية ووصفها بأنها تدخل طور الانقراض، وتمنى أن لا تصيب عدوى العرب الوسط الثقافي الكردي.
ولأنّ أدبَنا العربيَّ قد خرج هذا العامَ من نوبل بلا حمص، وخابت آمال آسيا جبار ونوال السعداوي
والصومالي نورالدين فرح في الفوز بهذه الجائزة لأنّ كتاباتهم لم تتّسم “بواقعية ممزوجة بالهلوسة” على حدّ
ما وصفت به الأكاديمية السويدية أعمالَ الصيني، مو يان، صاحب رواية “أرجوحة الكلب” الذي منحته
جائزة نوبل للآداب لعام 2012، فلا شكّ في أنّ منابرَنا ومنتدياتِنا الثقافيةَ، وبعد أن حُرِمت من لذّة
تشويه الفائزين بنوبل من الكتاب العرب، ستُفجِّرُ كلّ ديناميت نوبل في وجه الغرب ومُثقَّفيه وتتّهمهم
اتهاماتٍ لاذعةً منها مثلاً القول بأنهم يُعادون أدبَنا العربيّ، وبأنهم واقعون تحت تأثير اللوبي الاقتصادي
الصّيني.